إيران قبل الإسلام
كانت بلاد فارس مهد الحضارات في شعاب الزمن إلى قرون مضت قبل ميلاد المسيح عليه السلام ، ولقد بالغ الفرس في تمجيد تاريخهم ، والتعصب لعرقهم فاعتقد بعضهم أن ملكهم الأول ( كيومرث ) هو ابن آدم الأول ، وأنهم أصل النسل ، وينبوع الذرء .
وطائفة ثانية قالت أن (كيومرث ) هو أميم بن لاوذ _ بن ارم بن سام بن نوح "1" .
وطائفة ثالثة كانت تعتقد أن ( كيومرث ) نبت من نبات الأرض وهو ( الريباس ) ، وتحول هذا الرأي إلى مذهب اعتقادي اسمه (الكيومرثية) خلاصته الصراع ما بين الظلمة والنور "2" .
واهتم الفرس منذ القديم بالدين ، وأحلوه المرتبة الأولى في حياتهم ، ويدلنا على ذلك تسلسل الطبقات الاجتماعية عندهم :
1_ طبقة رجال الدين .
2_ طبقة رجال الحرب .
3_ طبقة كتاب الدواوين .
4_ طبقة الشعب من الفلاحين والصناع .
(1) مروج الذهب ومعادن الجوهر ، المسعودي ، ج1 ، ص 220 .
(2) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 572 .
-20-
ومن طبقة رجال الدين : الحكام ، والعباد ، والزهاد ، والسدنة ، والمعلمون .
ولما كان الدين أهم انتاج حضاري ابتكره الفرس _ كما يزعمون _ ، وكانت الفرق الباطنية التي تهدد المسلمين اليوم مرتبطة أشد الارتباط بعقائد الفرس القديمة .. لهذا وذاك نستعرض أهم أديان الفرس تلك :
-21-
المبحث الأول
مزدا
يتفق معظم العلماء على أن مزدا (الحكيم) هو إله القبائل المستقرة والمتمدنة في إيران ، بل يعتقدون أنه إله العالم والناس جميعا .
وجوهر المزدية يقوم على ركنين : الصفاء أولاً ، والعموم ثانيا .
ومن الصفاء الدعوة إلى الأخلاق والعمران ، وتقف المزدية على نقيض مع عقيدة الشياطين التي يؤمن بها اللصوص والمحابون والقبائل الرحل .
ومنذ الوقت الذي دخل فيه الايرانيون التاريخ (ومزدا أهورا ) "3" هو الإله الأعلى عندهم ، وهو الذي يتولى ارسال الأنبياء إلى أهل الأرض ومن رسله : (كيومرث ) و (زرادشت).
و(مزدا أهورا) أو (أورمزد ) هو الذي رفع السماء ، وبسط الأرض ، وخلق الملائكة وأول من أبدع من الملائكة بهمن"4" ، وعلمه الدين ، وخصه بموضع النور مكانا "5" .
(3) أهورا أي آلهة العهد والقانون .
(4) من الجدير بالذكر أن اسم (بهمن) تحمله عائلة كبيرة في ايران ، وتمكنت هذه العائلة الفارسية من الوصول إلى بلاد الخليج العربي ، وحصل بعض أفرادها على الجنسية ، وكان لهم عضو في مجلس الأمة الكويتي ، ومعظم أفراد هذه العائلة من كبار تجار الكويت .
أليس في احتفاظ هذه العائلة باسم (بهمن) دليل على التعب للمجوسية رغم زعمهم بأنهم مسلمون ؟؟.
(5) انظر الملل والنحل ، ج1 ، ص 238 _ وايران في عهد الساسانيين ، ص 19 .
-22-
المبحث الثاني
الزردشتية
في القرن السابع قبل الميلاد ادعى (زرادشت) أنه نبي أرسله (مزدا) ، ومن عقيدة زرادشت:
_ الصراع بين الروحين : روح الخير ، وروح الشر .
_ النور والظلمة أصلان متضادان وهما مبدأ وجود العالم ، وحصلت التراكيب من امتزاجهما ، كما أن الصور حصلت من التراكيب المختلفة .
_ الباري تعالى هو خالق النور والظلمة ومبدعهما وهو واحد لا شريك ولا ضد ولا ند له ، ولا يجوز أن ينسب إليه وجود الظلمة كما قالت الزروانية "6" .
_ انبثق عن امتزاج النور مع الظلمة : الخير ، والشر ، والصلاح ، والفساد ، والطهارة ، والخبث ، ولولا هذا الامتزاج لما وجد العالم ..
ولسوف يستمر الصراع بينهما حتى يغلب النور الظلمة ، ويغلب الخير الشر ، ثم يتخلص الخير إلى عالمه ، وينحط الشر إلى عالمه وذلك هو سبب الخلاص "7" .
(6) الزروانية مذهب من مذاهب المجوس ، ويعتقد أتباع هذا المذهب أن الشيطان من مصدر ردئ وأنه كان مع الله .
(7) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 236 ، طباعة دار المعرفة .
-23-
والزردشتيون يقدسون الماء إلى درجة أنهم لا يغسلون به وجوههم ، وهو عندهم لا يستعمل إلا للشرب أو ري الزرع .
وللإنسان عندهم حياتان : حياة أولى تحصى فيها أعمال الانسان ، وحياة أخرى ينعم الانسان أو يشقى فيها ، وفي الحياة الثانية يتحدثون عن جهنم والصراط المستقيم ( .
والزردشتيون ينتسبون إلى قبيلة ( المغان ) ، وقبل اكتساح الزردشتية منطقتى ميديا وفارس كان رجال الدين ينتسبون الى قبيلة (ميديا) .
والقبيلة (المغان حق الاشراف على بيوت النار التي يقيمون فيها شعائرهم الدينية ، ومن أهم معابد الزردشتية أو بيوت نارهم :
معبد ( يزد ) ، وقد حول إلى مسجد كبير بعد الفتح الاسلامي (9) .
والشمس إله من آلهة الزردشتيين لأنها مصدر النور ، كما أن الجدب عندهم من مصارد الظلمة .
وزردشت الحكيم هو زردشت بن يورشب ولد في أذربيجان وأمه من الرى ، ويعتقد الفرس بأن روح زردشت كانت في شجرة أنشأها الله في أعلى عليين وأحف بها سبعين من الملائكة المقربين ، وغرسها في قلة جبل من جبال أذربيجان .
ولزردشت كتاب اسمه ( زند أوستا ) يقسم العالم فيه إلى
( فجر الاسلام لأحمد أمين ، ج1 ، ص 124 .
(9) قادة فتح بلاد فارس عن معجم البلدان ، ج8 ، ص506 .
-24-
قسمين : مينة ، وكيتى ، يعني الروحاني والجسماني وبلغة أخرى : اللاهوت والناسوت .
والزردشتية جماعة منظمة ولها درجات ومراتب ، وتطور أمرها بعد أن آمن بها ازدشير الأول وابنه سابور واتخذا منها دينا لدولتهم (10) .
(10) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 236 ، طباعة دار المعرفة .
-25-
المبحث الثالث
المانوية
ولد ماني في ولاية مسين ببابل عام 215 أو 216 بعد نيرول المسيح عليه السلام . وقد ظهر في زمان (سابور بن أزدشير ) ، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور عام 279 لأنه جنح نحو الزهد الذي لا يناسب دولة بهرام المحاربة .
وينتسب ماني إلى أسرة إيرانية عريقة ، فأمه من العائلة الاشكانية المالكة ، وأبوه فاتك الحكيم من أطراف العائلة الاشكانية .
بدأ ماني دعوته في الهند مما جعل بعض المؤرخين يعتقدون أنه أخذ نظرية التناسخ من البوذية أو عن بعض المذاهب الهندية الأخرى (11) .
أخذ ماني عن الزردشتية قولهم بأن العالم مصنوع من أصلين : نور ، وظلمة . لكنه اختلف معهم ومع المجوس في اعتقاده بأن النور والظلمة قديمان أزليان ، بينما يعتقد المجوس بأن الظلام محدث وليس قديما .
وأخذ ماني عن النصرانية عقيدة التثليث ، فالإله عنده : مزيج من (العظيم الأول ) و ( الرجل القديم ) ، و (أم الحياة ) . وفي النصوص التي حفظت عن المانوية عبارات مأخوذة عن الأناجيل المسيحية (12) .
(11) إيران في عهد الساسانيين لكريستنس ، ص 171 .
(12) إيران في عهد الساسانيين لكريستنس ، ص 171 .
-26-
ويعتقد ماني بتناسخ الأرواح ، وأن هذا التناسخ يقوم على الأجزاء النورانية من الانسان ، وآمن بنبوتي عيسى عليه السلام وزردشت ، ويؤمن ماني بأنه خاتم الأنبياء ، وقد أرسل لتبليغ كلام الله الى الناس كافة .
و أطلق الفرس على ماني ومن تبعه اسم (الزنادقة) ، وسبب هذه التسمية أن زردشت جاء الفرس بكتاب اسمه (البستاه) ، وعمل له تفسيرا أسماه (الزند) ، وجعل للتفسير شرحا أسماه (البازند) .
وكان من أورد في شريعتهم شيئا بخلاف المنزل الذي هو (البستاه) وعدل إلى التأويل الذي هو (الزند) قالوا : هذا زندي ، فأضافوه الى التأويل ، وأنه منحرف عن الظواهر من المنزل الى تأويل هو بخلاف التنزيل ، فلما جاءت العرب أخذت هذا المعنى من الفرس ، وقالوا : زنديق ، وعربوه ، والثنوية هم الزنادقة ، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم ،وأبى حدوث العالم وعلى رأسهم (المانوية)"13" .
وللمانوية تنظيم دقيق ، فهيكل الجماعة يقوم على خمس طبقات متسلسلة كأبناء العلم ، وأبناء العقل وأبناء الفطنة ، وآخر طبقة السماعون وهم سواد الناس ، ولكل طبقة من هذه الطبقات شروط وتكاليف .. ونجح ماني في ادخال أخوين لسابور في تنظيمه "14" .
وبعد أن لقي مانى مصرعه على يد بهرام ، اتخذ أتباعه عيدا لهم أسموه (بيما ) ذكرى لمقتل نبيهم الشهيد ، واستمرت الدعوة بشكل سري بعد اضطهاد الزردشتين لهم .
(13) مروج الذهب للمسعودي ، ج 1 ، ص 251 .
(14) ايران في عهد الساسانيين ، ص 169 .
-27-
المبحث الرابع
المزدكية
مؤسسها مزدك بن بامداد أيام (قباذ ) والد كسرى أنو شروان في فارس عام 487 ، وبدأ دعوته كمؤمن بعقيدة ماني مع خلاف بسيط فهو يرى أن ( النور ) يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على التخبط والاتفاق .
ومزدك رجل تنفيذ وليس رجل زهد كماني ، ولهذا نهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال ، ولما كان القتال بسبب عدم المساواة نادى بتقسيم الأرزاق بين الناس بالتساوي ، كما نادى بالاباحية وجعل الناس شركاء فيهما كاشتراكهم في الماء ، والنار ،
والكلآ "15" .
وحض بذلك السفلة عل العلية ، وسهل السبيل للظلمة الى الظلم ، وللعهار الى قضاء نهمتهم ، وشمل الناس بلاء عظيم لم يكن لهم عهد بمثله ، وصاروا لا يعرف الرجل منهم ولده ، ولا المولود أباه ، ولا يملك الرجل شيئا مما يتسع به .
وساعد المزدكيين على المضي بجرائمهم ، وتحقيق الشيوعية التي يدعون اليها ، استجابة قباذ لهم وتعاونه معهم ، وكان أخوه (جاماسب ) واحدا منهم . ولقد قوى أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله "16" .
(15) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 249 دار المعرفة .
(16) تاريخ الطبري ج1 ، ص 137 .
-28-
وكان أتباع مزدك يزهدون في أكل لحم الحيوانات ، واذا أضافوا انسانا لم يمنعوه من شيء يلتمسه كائنا ما كان ، ولهم فلسفة خاصة في الاباحية فهم يرون أن العاديين من الناس لا يستطيعون التخلص من اللذات المادية إلا في اللحظة التي يستطيعون فيها اشباع هذه الحاجات بالاختيار .
وبعد أن كانت المزدكية مذهبا دينيا صارت مذهبا اجتماعيا ، وقوانين ثورية ، ومبادئ شيوعية ، وعم شرهم كل مكان حتى جاء كسرى الأول ( أنو شروان بن قباذ ) فرد الأموال لأهلها ، وجعل الأموال التي لا وارث لها رصيدا لإصلاح ما فسد .
وقال عنها أحمد أمين :
(وبعد كسرى عاشت المزدكية فرقة سرية .. عاشت على هذا النحو أيام الدولة الساسانية ، ثم عادت الى الظهور من جديد في بداية العصور الاسلامية "17" ).
ووصف بعض المؤرخين الثورة المزدكية فقالوا : ( فاذا حجاب الحفاظ والأدب قد ارتفع ، وظهر قوم لا يتحلون بشرف الفن أو العمل ، لا ضياع لهم موروثة ، ولا حسب ولا نسب ، ولا حرفة ولا صناعة ، عاطلون ، مستعدون للغمز والشر وبث الكذب والافتراء ، بل هم من ذلك يحيون في رغد من العيش وسعة المال .
(17) فجر الاسلام لأحمد أمين ، ج1 ، ص 137 .
-29-
وهكذا عم التطاول كل مكان ، واقتحم الثوار قصور الأشراف ، ناهبين الأموال ، مغتصبين الحرائر ، وكانوا يملكون هنا وهناك ، أراضي تلفت لأن السادة الجدد لا يعرفون الزراعة "18" .
(18) ايران في عهد الساسانيين تأليف : كريستنس ترجمة يحيى الخشاب ، ص 343 .
-30-
نتائج البحث
من خلال استعراضنا لأهم أديان الفرس نستطيع أن نستخلص النتائج التالية "19" :
1_ عبد الفرس قوى الطبيعة والأجرام السماوية ، وآلهة تمثل قوى أخلاقية ، أو آراء معنوية مجسمة ، وكان الدين عندهم يتدخل في أقل أمور الحياة اليومية ، وكان على الفرد أن يصلي للشمس أربع مرات أثناء النهار ، كما يصلي للقمر وللنار وللماء ، ونار البيت لا يجوز أن يخبو لهيبها .
وهناك فرق بين المجوسية والثنوية ، ومن الأديان التي تنتسب للمجوسية : الكيومرثية ، والزروانية ، والزردشتية ، أما الأديان التي تنتسب الى الثنوية فهي : المانوية ، المزدكية ، الديصانية .. والفرق بينهما ان المجوسية قالت بقدم النور وحدوث الظلام فى حين قالت الثنوية بأن النور والظلمة أزليان قديمان ، فهما متساويان في القدم ومختلفان في الجوهر والطبع والفعل والمكان والأجناس والأبدان والأرواح .
وعلى كل حال فالمجوسية والوثنية أصبحت من تراث الفرس ، والفرق بينهما بسيط ، فجميع أتباع هذه الديانات عبدوا النور والظلمة والشمس والقمر ، واعتقدوا بالحلول والتناسخ ، والأساطير والخرافات .
2_ تأثرت ديانات الفرس باليهود والنصارى والبوذيين .
فاليهود حلوا بلاد فارس منذ أن سباهم (بختنصر ) ، وازداد عددهم في عهد الاشكانيين ، وقد اليهود أنفسهم منذ القرن الأول الميلادي
(19) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 244 دار المعرفة .
-31-
واعترف بعض ملوك فارس بهم ، وقد أنشأوا مدرسة ( سورا ) المشهورة في أوائل القرن الثالث الميلادي ، وصاهروا ملوك الفرس ومرازبهم ، فامتزج الدم اليهودي بالفارسي ، فزوجة ( بختنصر ) كانت يهودية واسمها ( دينارد ) ، وكانت سبب رد بني اسرائيل الى بيت المقدس "20" .
وتأثرت ديانة الفرس باليهودية ، كما تأثرت بما عند اليهود من تنظيم وسرية وتقية ، واستمر أثر اليهود في معتقدات الفرس في مختلف حقب التاريخ .
وانتشرت النصرانية في كل مكان من ايران ، وعندما انتهى الحكم الى الاشكانيين كان للجالية النصرانية مكان في ( الرها ) ، وكان هناك اسقفيات كثيرة في المناطق الأرمينية والكردية والأهواز ، وحالوا غير مرة أن يجمعوا الجماعات تحت ادارة مركز واحد في المدائن ، غير أنهم فشلوا لأسباب ذاتية داخلية ، وعاش نصارى ايران في سلام وان كان الموقف قد تغير عندما اعتنق ( قسطنطين ) الديانة النصرانية ، وقام نصارى ايران بالتآمر على سابور فاستشاط غضبا ، وبدأ اضطهادهم منذ عام 339 وحتى هلاك سابور الثاني .
وكذلك لم يكن أزدشير الثاني ، خليفة سابور ، محبا للنصارى ، واستمر اضطهاد النصارى حتى جاء يزدجرد الأول 399 _ 421 فتحسنت العلاقات النصرانية
الزردشتية"21" .
(20) مروج الذهب : المسعودي ، ج1 ، ص 288 .
(21) ايران في عهد الساسانيين ، ص 253 .
-32-
أما أثر النصرانية في معتقدات الفرس ، فسبق أن رأينا كيف جاءت ( المانوية ) بعقيدة التثليث والحلول مأخوذتين من عقيدة النصارى .
واختلط رجال الدين الفرس بالبوذيين فأخذوا عنهم وأعطوهم ، وزاد هذا الاختلاط عندما كان أصحاب الديانة المغلوبة يفرون من بلادهم ويلتجئون الى الهند أو الصين كما حصل للزردشتية والمانويين .
3_ والزعامة الدينية في بلاد فارس كانت تتمثل في قبيلة من القبائل ، فالسيطرة الدينية قديما كانت لقبيلة (ميديا ) ، وفي عصر أتباع زردشت أصبحت السيطرة لقبيلة ( المغان )
ورجال القبيلة الدينية هم ظل الله في الأرض ، وقد خلقوا لخدمة الآلهة ، والحاكم يجب أن يكون من هذه القبيلة ، وتتجسد فيه الذات الالهية ، وتتولى هذه العائلة شرف سدانة بيت النار .
ان عبادة الله عن طريق القبيلة هو الذي دفع الفرس الى التشيع لآل البيت لا حبا بآل البيت ولكن لأن هذا التصور يلائم عقيدة المجوس .
4_ السرية أصل من أصول عقائد المجوس :
فالزردشتيون استمروا يعملون وينشطون بشكل سري بعد أن تعرضوا للاضطهاد على أيدي أتباع (مزدا ) ، والمانوية تحولت الى حركة سرية بعد أن بطش بهرام بن هرمز بهم ، والمزدكية أصبحت دعوة سرية بعد أن نكل بهم أنو شروان .
ومع السرية كانت أديان الفرس منظمة تنظيما هرميا دقيقا يراعون به ظروف العصر ، وكانت تنظيماتهم من القوة بحيث تمكنهم من الوصول الى قصور الحكام في حالات
-33-
ضعفهم ،أما في غير حالات الضعف فالحكام من أفراد القبيلة التي ترعى شؤون الدين .
5- تاريخ أديان الفرس يمتاز بالفتن وكثرة الثورات ومن الأمثلة على ذلك أن ثورة عارمة وقعت بين بابك وجوتجهر ، ثم نشبت فتنة بين سابور و أزدشير .
وفي هذه الفتن والمعارك كان الأخ يقتل أخاه ، والأب ابنه بدون رحمة ولا شفقة ، وعندما يشعر ملوك فارس بأن الخطر قد أحاط بهم كانوا ينقضون على من يزعمون أنهم أنبياء لهم ، فبهرام بن هرمز قتل ماني ، وكسرى أنو شروان قتل مزدك .
وعلى ضوء معرفتنا لهذه الحقيقة نعلم أسباب الثورات والفتن في البلاد التي يسيطر عليها المجوسيون في عصرنا هذا ، كما نعلم لماذا كانوا وما زاولوا يصفون خصومهم عن طريق الاغتيالات .
وجاء دور المجوس
كانت بلاد فارس مهد الحضارات في شعاب الزمن إلى قرون مضت قبل ميلاد المسيح عليه السلام ، ولقد بالغ الفرس في تمجيد تاريخهم ، والتعصب لعرقهم فاعتقد بعضهم أن ملكهم الأول ( كيومرث ) هو ابن آدم الأول ، وأنهم أصل النسل ، وينبوع الذرء .
وطائفة ثانية قالت أن (كيومرث ) هو أميم بن لاوذ _ بن ارم بن سام بن نوح "1" .
وطائفة ثالثة كانت تعتقد أن ( كيومرث ) نبت من نبات الأرض وهو ( الريباس ) ، وتحول هذا الرأي إلى مذهب اعتقادي اسمه (الكيومرثية) خلاصته الصراع ما بين الظلمة والنور "2" .
واهتم الفرس منذ القديم بالدين ، وأحلوه المرتبة الأولى في حياتهم ، ويدلنا على ذلك تسلسل الطبقات الاجتماعية عندهم :
1_ طبقة رجال الدين .
2_ طبقة رجال الحرب .
3_ طبقة كتاب الدواوين .
4_ طبقة الشعب من الفلاحين والصناع .
(1) مروج الذهب ومعادن الجوهر ، المسعودي ، ج1 ، ص 220 .
(2) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 572 .
-20-
ومن طبقة رجال الدين : الحكام ، والعباد ، والزهاد ، والسدنة ، والمعلمون .
ولما كان الدين أهم انتاج حضاري ابتكره الفرس _ كما يزعمون _ ، وكانت الفرق الباطنية التي تهدد المسلمين اليوم مرتبطة أشد الارتباط بعقائد الفرس القديمة .. لهذا وذاك نستعرض أهم أديان الفرس تلك :
-21-
المبحث الأول
مزدا
يتفق معظم العلماء على أن مزدا (الحكيم) هو إله القبائل المستقرة والمتمدنة في إيران ، بل يعتقدون أنه إله العالم والناس جميعا .
وجوهر المزدية يقوم على ركنين : الصفاء أولاً ، والعموم ثانيا .
ومن الصفاء الدعوة إلى الأخلاق والعمران ، وتقف المزدية على نقيض مع عقيدة الشياطين التي يؤمن بها اللصوص والمحابون والقبائل الرحل .
ومنذ الوقت الذي دخل فيه الايرانيون التاريخ (ومزدا أهورا ) "3" هو الإله الأعلى عندهم ، وهو الذي يتولى ارسال الأنبياء إلى أهل الأرض ومن رسله : (كيومرث ) و (زرادشت).
و(مزدا أهورا) أو (أورمزد ) هو الذي رفع السماء ، وبسط الأرض ، وخلق الملائكة وأول من أبدع من الملائكة بهمن"4" ، وعلمه الدين ، وخصه بموضع النور مكانا "5" .
(3) أهورا أي آلهة العهد والقانون .
(4) من الجدير بالذكر أن اسم (بهمن) تحمله عائلة كبيرة في ايران ، وتمكنت هذه العائلة الفارسية من الوصول إلى بلاد الخليج العربي ، وحصل بعض أفرادها على الجنسية ، وكان لهم عضو في مجلس الأمة الكويتي ، ومعظم أفراد هذه العائلة من كبار تجار الكويت .
أليس في احتفاظ هذه العائلة باسم (بهمن) دليل على التعب للمجوسية رغم زعمهم بأنهم مسلمون ؟؟.
(5) انظر الملل والنحل ، ج1 ، ص 238 _ وايران في عهد الساسانيين ، ص 19 .
-22-
المبحث الثاني
الزردشتية
في القرن السابع قبل الميلاد ادعى (زرادشت) أنه نبي أرسله (مزدا) ، ومن عقيدة زرادشت:
_ الصراع بين الروحين : روح الخير ، وروح الشر .
_ النور والظلمة أصلان متضادان وهما مبدأ وجود العالم ، وحصلت التراكيب من امتزاجهما ، كما أن الصور حصلت من التراكيب المختلفة .
_ الباري تعالى هو خالق النور والظلمة ومبدعهما وهو واحد لا شريك ولا ضد ولا ند له ، ولا يجوز أن ينسب إليه وجود الظلمة كما قالت الزروانية "6" .
_ انبثق عن امتزاج النور مع الظلمة : الخير ، والشر ، والصلاح ، والفساد ، والطهارة ، والخبث ، ولولا هذا الامتزاج لما وجد العالم ..
ولسوف يستمر الصراع بينهما حتى يغلب النور الظلمة ، ويغلب الخير الشر ، ثم يتخلص الخير إلى عالمه ، وينحط الشر إلى عالمه وذلك هو سبب الخلاص "7" .
(6) الزروانية مذهب من مذاهب المجوس ، ويعتقد أتباع هذا المذهب أن الشيطان من مصدر ردئ وأنه كان مع الله .
(7) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 236 ، طباعة دار المعرفة .
-23-
والزردشتيون يقدسون الماء إلى درجة أنهم لا يغسلون به وجوههم ، وهو عندهم لا يستعمل إلا للشرب أو ري الزرع .
وللإنسان عندهم حياتان : حياة أولى تحصى فيها أعمال الانسان ، وحياة أخرى ينعم الانسان أو يشقى فيها ، وفي الحياة الثانية يتحدثون عن جهنم والصراط المستقيم ( .
والزردشتيون ينتسبون إلى قبيلة ( المغان ) ، وقبل اكتساح الزردشتية منطقتى ميديا وفارس كان رجال الدين ينتسبون الى قبيلة (ميديا) .
والقبيلة (المغان حق الاشراف على بيوت النار التي يقيمون فيها شعائرهم الدينية ، ومن أهم معابد الزردشتية أو بيوت نارهم :
معبد ( يزد ) ، وقد حول إلى مسجد كبير بعد الفتح الاسلامي (9) .
والشمس إله من آلهة الزردشتيين لأنها مصدر النور ، كما أن الجدب عندهم من مصارد الظلمة .
وزردشت الحكيم هو زردشت بن يورشب ولد في أذربيجان وأمه من الرى ، ويعتقد الفرس بأن روح زردشت كانت في شجرة أنشأها الله في أعلى عليين وأحف بها سبعين من الملائكة المقربين ، وغرسها في قلة جبل من جبال أذربيجان .
ولزردشت كتاب اسمه ( زند أوستا ) يقسم العالم فيه إلى
( فجر الاسلام لأحمد أمين ، ج1 ، ص 124 .
(9) قادة فتح بلاد فارس عن معجم البلدان ، ج8 ، ص506 .
-24-
قسمين : مينة ، وكيتى ، يعني الروحاني والجسماني وبلغة أخرى : اللاهوت والناسوت .
والزردشتية جماعة منظمة ولها درجات ومراتب ، وتطور أمرها بعد أن آمن بها ازدشير الأول وابنه سابور واتخذا منها دينا لدولتهم (10) .
(10) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 236 ، طباعة دار المعرفة .
-25-
المبحث الثالث
المانوية
ولد ماني في ولاية مسين ببابل عام 215 أو 216 بعد نيرول المسيح عليه السلام . وقد ظهر في زمان (سابور بن أزدشير ) ، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور عام 279 لأنه جنح نحو الزهد الذي لا يناسب دولة بهرام المحاربة .
وينتسب ماني إلى أسرة إيرانية عريقة ، فأمه من العائلة الاشكانية المالكة ، وأبوه فاتك الحكيم من أطراف العائلة الاشكانية .
بدأ ماني دعوته في الهند مما جعل بعض المؤرخين يعتقدون أنه أخذ نظرية التناسخ من البوذية أو عن بعض المذاهب الهندية الأخرى (11) .
أخذ ماني عن الزردشتية قولهم بأن العالم مصنوع من أصلين : نور ، وظلمة . لكنه اختلف معهم ومع المجوس في اعتقاده بأن النور والظلمة قديمان أزليان ، بينما يعتقد المجوس بأن الظلام محدث وليس قديما .
وأخذ ماني عن النصرانية عقيدة التثليث ، فالإله عنده : مزيج من (العظيم الأول ) و ( الرجل القديم ) ، و (أم الحياة ) . وفي النصوص التي حفظت عن المانوية عبارات مأخوذة عن الأناجيل المسيحية (12) .
(11) إيران في عهد الساسانيين لكريستنس ، ص 171 .
(12) إيران في عهد الساسانيين لكريستنس ، ص 171 .
-26-
ويعتقد ماني بتناسخ الأرواح ، وأن هذا التناسخ يقوم على الأجزاء النورانية من الانسان ، وآمن بنبوتي عيسى عليه السلام وزردشت ، ويؤمن ماني بأنه خاتم الأنبياء ، وقد أرسل لتبليغ كلام الله الى الناس كافة .
و أطلق الفرس على ماني ومن تبعه اسم (الزنادقة) ، وسبب هذه التسمية أن زردشت جاء الفرس بكتاب اسمه (البستاه) ، وعمل له تفسيرا أسماه (الزند) ، وجعل للتفسير شرحا أسماه (البازند) .
وكان من أورد في شريعتهم شيئا بخلاف المنزل الذي هو (البستاه) وعدل إلى التأويل الذي هو (الزند) قالوا : هذا زندي ، فأضافوه الى التأويل ، وأنه منحرف عن الظواهر من المنزل الى تأويل هو بخلاف التنزيل ، فلما جاءت العرب أخذت هذا المعنى من الفرس ، وقالوا : زنديق ، وعربوه ، والثنوية هم الزنادقة ، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم ،وأبى حدوث العالم وعلى رأسهم (المانوية)"13" .
وللمانوية تنظيم دقيق ، فهيكل الجماعة يقوم على خمس طبقات متسلسلة كأبناء العلم ، وأبناء العقل وأبناء الفطنة ، وآخر طبقة السماعون وهم سواد الناس ، ولكل طبقة من هذه الطبقات شروط وتكاليف .. ونجح ماني في ادخال أخوين لسابور في تنظيمه "14" .
وبعد أن لقي مانى مصرعه على يد بهرام ، اتخذ أتباعه عيدا لهم أسموه (بيما ) ذكرى لمقتل نبيهم الشهيد ، واستمرت الدعوة بشكل سري بعد اضطهاد الزردشتين لهم .
(13) مروج الذهب للمسعودي ، ج 1 ، ص 251 .
(14) ايران في عهد الساسانيين ، ص 169 .
-27-
المبحث الرابع
المزدكية
مؤسسها مزدك بن بامداد أيام (قباذ ) والد كسرى أنو شروان في فارس عام 487 ، وبدأ دعوته كمؤمن بعقيدة ماني مع خلاف بسيط فهو يرى أن ( النور ) يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على التخبط والاتفاق .
ومزدك رجل تنفيذ وليس رجل زهد كماني ، ولهذا نهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال ، ولما كان القتال بسبب عدم المساواة نادى بتقسيم الأرزاق بين الناس بالتساوي ، كما نادى بالاباحية وجعل الناس شركاء فيهما كاشتراكهم في الماء ، والنار ،
والكلآ "15" .
وحض بذلك السفلة عل العلية ، وسهل السبيل للظلمة الى الظلم ، وللعهار الى قضاء نهمتهم ، وشمل الناس بلاء عظيم لم يكن لهم عهد بمثله ، وصاروا لا يعرف الرجل منهم ولده ، ولا المولود أباه ، ولا يملك الرجل شيئا مما يتسع به .
وساعد المزدكيين على المضي بجرائمهم ، وتحقيق الشيوعية التي يدعون اليها ، استجابة قباذ لهم وتعاونه معهم ، وكان أخوه (جاماسب ) واحدا منهم . ولقد قوى أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله "16" .
(15) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 249 دار المعرفة .
(16) تاريخ الطبري ج1 ، ص 137 .
-28-
وكان أتباع مزدك يزهدون في أكل لحم الحيوانات ، واذا أضافوا انسانا لم يمنعوه من شيء يلتمسه كائنا ما كان ، ولهم فلسفة خاصة في الاباحية فهم يرون أن العاديين من الناس لا يستطيعون التخلص من اللذات المادية إلا في اللحظة التي يستطيعون فيها اشباع هذه الحاجات بالاختيار .
وبعد أن كانت المزدكية مذهبا دينيا صارت مذهبا اجتماعيا ، وقوانين ثورية ، ومبادئ شيوعية ، وعم شرهم كل مكان حتى جاء كسرى الأول ( أنو شروان بن قباذ ) فرد الأموال لأهلها ، وجعل الأموال التي لا وارث لها رصيدا لإصلاح ما فسد .
وقال عنها أحمد أمين :
(وبعد كسرى عاشت المزدكية فرقة سرية .. عاشت على هذا النحو أيام الدولة الساسانية ، ثم عادت الى الظهور من جديد في بداية العصور الاسلامية "17" ).
ووصف بعض المؤرخين الثورة المزدكية فقالوا : ( فاذا حجاب الحفاظ والأدب قد ارتفع ، وظهر قوم لا يتحلون بشرف الفن أو العمل ، لا ضياع لهم موروثة ، ولا حسب ولا نسب ، ولا حرفة ولا صناعة ، عاطلون ، مستعدون للغمز والشر وبث الكذب والافتراء ، بل هم من ذلك يحيون في رغد من العيش وسعة المال .
(17) فجر الاسلام لأحمد أمين ، ج1 ، ص 137 .
-29-
وهكذا عم التطاول كل مكان ، واقتحم الثوار قصور الأشراف ، ناهبين الأموال ، مغتصبين الحرائر ، وكانوا يملكون هنا وهناك ، أراضي تلفت لأن السادة الجدد لا يعرفون الزراعة "18" .
(18) ايران في عهد الساسانيين تأليف : كريستنس ترجمة يحيى الخشاب ، ص 343 .
-30-
نتائج البحث
من خلال استعراضنا لأهم أديان الفرس نستطيع أن نستخلص النتائج التالية "19" :
1_ عبد الفرس قوى الطبيعة والأجرام السماوية ، وآلهة تمثل قوى أخلاقية ، أو آراء معنوية مجسمة ، وكان الدين عندهم يتدخل في أقل أمور الحياة اليومية ، وكان على الفرد أن يصلي للشمس أربع مرات أثناء النهار ، كما يصلي للقمر وللنار وللماء ، ونار البيت لا يجوز أن يخبو لهيبها .
وهناك فرق بين المجوسية والثنوية ، ومن الأديان التي تنتسب للمجوسية : الكيومرثية ، والزروانية ، والزردشتية ، أما الأديان التي تنتسب الى الثنوية فهي : المانوية ، المزدكية ، الديصانية .. والفرق بينهما ان المجوسية قالت بقدم النور وحدوث الظلام فى حين قالت الثنوية بأن النور والظلمة أزليان قديمان ، فهما متساويان في القدم ومختلفان في الجوهر والطبع والفعل والمكان والأجناس والأبدان والأرواح .
وعلى كل حال فالمجوسية والوثنية أصبحت من تراث الفرس ، والفرق بينهما بسيط ، فجميع أتباع هذه الديانات عبدوا النور والظلمة والشمس والقمر ، واعتقدوا بالحلول والتناسخ ، والأساطير والخرافات .
2_ تأثرت ديانات الفرس باليهود والنصارى والبوذيين .
فاليهود حلوا بلاد فارس منذ أن سباهم (بختنصر ) ، وازداد عددهم في عهد الاشكانيين ، وقد اليهود أنفسهم منذ القرن الأول الميلادي
(19) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 244 دار المعرفة .
-31-
واعترف بعض ملوك فارس بهم ، وقد أنشأوا مدرسة ( سورا ) المشهورة في أوائل القرن الثالث الميلادي ، وصاهروا ملوك الفرس ومرازبهم ، فامتزج الدم اليهودي بالفارسي ، فزوجة ( بختنصر ) كانت يهودية واسمها ( دينارد ) ، وكانت سبب رد بني اسرائيل الى بيت المقدس "20" .
وتأثرت ديانة الفرس باليهودية ، كما تأثرت بما عند اليهود من تنظيم وسرية وتقية ، واستمر أثر اليهود في معتقدات الفرس في مختلف حقب التاريخ .
وانتشرت النصرانية في كل مكان من ايران ، وعندما انتهى الحكم الى الاشكانيين كان للجالية النصرانية مكان في ( الرها ) ، وكان هناك اسقفيات كثيرة في المناطق الأرمينية والكردية والأهواز ، وحالوا غير مرة أن يجمعوا الجماعات تحت ادارة مركز واحد في المدائن ، غير أنهم فشلوا لأسباب ذاتية داخلية ، وعاش نصارى ايران في سلام وان كان الموقف قد تغير عندما اعتنق ( قسطنطين ) الديانة النصرانية ، وقام نصارى ايران بالتآمر على سابور فاستشاط غضبا ، وبدأ اضطهادهم منذ عام 339 وحتى هلاك سابور الثاني .
وكذلك لم يكن أزدشير الثاني ، خليفة سابور ، محبا للنصارى ، واستمر اضطهاد النصارى حتى جاء يزدجرد الأول 399 _ 421 فتحسنت العلاقات النصرانية
الزردشتية"21" .
(20) مروج الذهب : المسعودي ، ج1 ، ص 288 .
(21) ايران في عهد الساسانيين ، ص 253 .
-32-
أما أثر النصرانية في معتقدات الفرس ، فسبق أن رأينا كيف جاءت ( المانوية ) بعقيدة التثليث والحلول مأخوذتين من عقيدة النصارى .
واختلط رجال الدين الفرس بالبوذيين فأخذوا عنهم وأعطوهم ، وزاد هذا الاختلاط عندما كان أصحاب الديانة المغلوبة يفرون من بلادهم ويلتجئون الى الهند أو الصين كما حصل للزردشتية والمانويين .
3_ والزعامة الدينية في بلاد فارس كانت تتمثل في قبيلة من القبائل ، فالسيطرة الدينية قديما كانت لقبيلة (ميديا ) ، وفي عصر أتباع زردشت أصبحت السيطرة لقبيلة ( المغان )
ورجال القبيلة الدينية هم ظل الله في الأرض ، وقد خلقوا لخدمة الآلهة ، والحاكم يجب أن يكون من هذه القبيلة ، وتتجسد فيه الذات الالهية ، وتتولى هذه العائلة شرف سدانة بيت النار .
ان عبادة الله عن طريق القبيلة هو الذي دفع الفرس الى التشيع لآل البيت لا حبا بآل البيت ولكن لأن هذا التصور يلائم عقيدة المجوس .
4_ السرية أصل من أصول عقائد المجوس :
فالزردشتيون استمروا يعملون وينشطون بشكل سري بعد أن تعرضوا للاضطهاد على أيدي أتباع (مزدا ) ، والمانوية تحولت الى حركة سرية بعد أن بطش بهرام بن هرمز بهم ، والمزدكية أصبحت دعوة سرية بعد أن نكل بهم أنو شروان .
ومع السرية كانت أديان الفرس منظمة تنظيما هرميا دقيقا يراعون به ظروف العصر ، وكانت تنظيماتهم من القوة بحيث تمكنهم من الوصول الى قصور الحكام في حالات
-33-
ضعفهم ،أما في غير حالات الضعف فالحكام من أفراد القبيلة التي ترعى شؤون الدين .
5- تاريخ أديان الفرس يمتاز بالفتن وكثرة الثورات ومن الأمثلة على ذلك أن ثورة عارمة وقعت بين بابك وجوتجهر ، ثم نشبت فتنة بين سابور و أزدشير .
وفي هذه الفتن والمعارك كان الأخ يقتل أخاه ، والأب ابنه بدون رحمة ولا شفقة ، وعندما يشعر ملوك فارس بأن الخطر قد أحاط بهم كانوا ينقضون على من يزعمون أنهم أنبياء لهم ، فبهرام بن هرمز قتل ماني ، وكسرى أنو شروان قتل مزدك .
وعلى ضوء معرفتنا لهذه الحقيقة نعلم أسباب الثورات والفتن في البلاد التي يسيطر عليها المجوسيون في عصرنا هذا ، كما نعلم لماذا كانوا وما زاولوا يصفون خصومهم عن طريق الاغتيالات .
وجاء دور المجوس
الخميس فبراير 27, 2014 2:48 am من طرف آكسل
» اوضح لنا معتقدك يا رافضي - يا شيعي
الخميس فبراير 27, 2014 2:09 am من طرف آكسل
» هذا بعض ما قاله سيدنا علي في حق الصحابه يا شيعه
الخميس فبراير 27, 2014 2:05 am من طرف آكسل
» حوار عقلاني مع جاري ؟
الأربعاء فبراير 26, 2014 7:57 pm من طرف fergani
» التوحيد 000
الثلاثاء سبتمبر 03, 2013 12:23 pm من طرف أبن العرب
» حتى لا تكون فتنة : وجود الشيعة في المغرب العربي
الإثنين يناير 21, 2013 10:18 pm من طرف أبن العرب
» الإمام مالك رحمه الله وموقفه من الرافضة
الخميس نوفمبر 08, 2012 7:46 pm من طرف عثمان الخميس
» علي بن أبي طالب هو الذي هدى كل الأنبياء وهو الذي نجى نوح وصاحب ابراهيم _وثيقة_
الخميس نوفمبر 08, 2012 7:33 pm من طرف عثمان الخميس
» علماء الراقظة يفترون الكذب على الله عز وجل : من عصى الله وأطاع علي يدخل الجنة ومن أطاع الله وعصى علي يدخل النار ؟؟؟ وثيقة
الخميس نوفمبر 08, 2012 7:18 pm من طرف عثمان الخميس
» الشناوي وحفيد مبغض آل البيت... مامعنى ولي مولى و ولاية ؟؟
الجمعة نوفمبر 02, 2012 5:14 pm من طرف عثمان الخميس