حقيقة الدولة العبيدية
الشيخ محمد صالح المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد,,,
فإن الله تعالى قضى بالابتلاء ، وابتلاء هذه الأمة بأمور متعددة تمحيصاً واختباراً وتمييزاً لأهل الجنة عن أهل النار . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض هذه الابتلاءات ومن ذلك التغيّر الكبير الذي سيطرأ عليها بعد وفاة نبيها ، وأخبرهم أنه من يعيش منهم من بعده فسيرى اختلافاً كثيرا . وكذلك أخبر بالتفرق الذي سيحصل في الأمة ، قال : وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة . وأخبر أنها جميعاً في النار إلا واحدة وهي التي تتبع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . حذّرنا من محدثات الأمور في مواجهة هذا الابتلاء وقال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي . أوصانا أن نعضّ عليها بالنواجذ وأخبرنا بأن كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار . وبيّن الله لنا سبيل الحق في كتابه . وقال : {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} ومن هؤلاء أهل البدع . من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب .
فقيّض الله لهذه الأمة من يكشف الحق ويبينه للناس . {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}(آل عمران: من الآية187) . وكان من الفرق الخطيرة جداً إن لم تكن هي أخطر الفرق على الإطلاق التي ابتليت بها هذه الأمة ولا تزال ترزح تحت الابتلاء بها فرقة الباطنية بشتّى أنواعها . سُمّوا بذلك لأنهم يظهرون بشيءٍ ويبطنون آخر ، ويزعمون أن لنصوص من الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً . دينهم مختلفٌ عن دين الإسلام بل هو متناقضات ، فهي طائفةٌ مخذولة وفئة مرذولة ومأوى لكل من أراد هدم الإسلام ، وكانوا أعوان اليهود والنصارى والمشركين والذين جاؤوا لغزو المسملين ، وكذلك فإنهم في عددٍ من بلدان العالم الإسلامي قد أقاموا لهم كياناتٍ في القديم والحديث . وينادي بعض الضلال في هذا الزمن بإعادة مجد العبيديين والدولة الفاطمية.
وقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء بياناً حول هذا الموضوع يتعلق بهذه الدولة العبيدية الفاطمية وما تتصل به من المذهب الباطني الخبيث ، قالت اللجنة في بيانها : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد . فإن الله عز وجل قد أمر باجتماع هذه الأمة ونهى عن التنازع قال تعالى : {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(لأنفال: من الآية46) ولن يحصل اجتماع الأمة إلا بالتمسك بالكتاب والسنة . ولهذا أمر الله بالاعتصام بحبل الله المتين . قال تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}(آل عمران: من الآية103) وأمتنا الإسلامية وهي تواجه ما يحفّ بها من مخاطر متنوعة في أمس الحاجة إلى التمسّك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم متوخيةً في ذلك نهج صحبه الكرام رضي الله عنهم . ولقد وجّهنا الله سبحانه وتعالى إلى هذا المنهج القويم في كتابه الكريم حيث قال سبحانه : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(الأنعام: من الآية153) فاجتماع الأمة ووحدتها وعزها في التزام ذلك الصراط المستقيم الذي سلكه نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال : تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي . وحيث إن النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من الواجبات الشرعية ، وكان من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم كتابة بيانٍ حول ما تنوقل من دعوى المتكلّم أن الدولة المسماة بالدولة الفاطمية هي دولة الإسلام التي يكمن فيها الحل المناسب في الحاضر كما كان حلاً في الماضي ، وهذا من التلبيس ومن الدعاوى الباطلة وذلك لعدة أمورٍ منها:
أولاً: أن تسمية تلك الدولة بالفاطمية تسميةٌ كاذبة:
أراد بها أصحابها خداع المسلمين بالتسمي باسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد بين العلماء والمؤرخون في ذلك الزمان كذب تلك الدعوة وأن مؤسسها أصله مجوسي يدعى سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح ابن ديصان الدنوي الأهوادي ، وسعيدٌ هذا تسمى بعبيد الله عندما أراد إظهار دعوته ونشرها ولقب نفسه بالمهدي . فالنسبة الصحيحة لدولته أن يقال: العبيدية . كما ذكر ذلك جملةٌ من العلماء المحققين ، ويظهر من نسب مؤسسها الذي ذكر آنفاً أن انتسابهم إلى آل البيت كذب وزور ، وإنما أظهروا ذلك الانتساب لاستمالة قلوب الناس إليهم .
قال العلاّمة ابن خلكان في وفيات الأعيان: والجمهور على عدم صحة نسبهم وأنهم كذبة أدعياء لا حظ لهم في النسبة المحمدية أصلاً . وقال الذهبي في العبر في خبر من غبر: المهدي عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى أنه من ولد جعفر الصادق . وقد ذكر غيرهما من المؤرخين أنه في ربيع الآخر من عام أربعمائة واثنين للهجرة كتب جماعةٌ من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والمحدثين وشهدوا جميعاً بأن الحاكم بمصر وهو منصور الذي يرجع نسبه إلى سعيد مؤسس الدولة العبيدية لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ، وأن الذي ادعوه إليه باطلٌ وزور ، وأنهم لا يعلمون أحداً من بيوتات علي بن أبي طالب رضي الله عنه توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبة وأن هذا –أي الحاكم بأمره الذي يزعم أنه فاطميٌ- هو وسلفه كفّارٌ فسّاقٌ فجارٌ ملحدون وزنادقة معطلون للإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون . قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمرة وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية وكُتب هذا سنة اثنتين وأربعمائة . وقد ذكر ابن كثيرٍ رحمه الله في كتاب البداية والنهاية بعد أن نقل هذا : وقد كتب خطه في المحضر خلقٌ كثير .
ثانياً: أنهم يظهرون مناصرة لآل البيت:
وهذه الدعوة أظهروها حيلةً نزعوا إليها استغلالاً لعواطف المسلمين لعلمهم بمحبة أهل الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته . وقال النويري : وحكى الشريف وأبو الحسين محمد بن علي المعروف بأخي محسن في كتابه أن عبد الله بن ميمون كان قد سكن بسباط أبي نوح وكان يتستّر بالعلم ، فلما ظهر أمره وما كان يضمره ويستره من التعطيل والإباحة والمكر والخديعة ثار عليه الناس .
ثالثاً: أن حال تلك الدولة العبيدية الفاطمية أنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض:
قال الباقلاني رحمه الله عن القداح جد عبيد الله : وكان باطنياً خبيثاً حريصاً على إزالة ملة الإسلام ، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق ، وجاء أولاده على أسلوبه : أباحوا الخمور والفروج وأفسدوا عقائد الخلق . وقال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص الذي قتله عبيد الله : وبنوه بعده أربعة آلاف رجل في دار النحر في العذاب ما بين عالمٍ وعابد ليردّهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت . يعني أن هؤلاء العبيديين قد نحروا أربعة آلافٍ من المسلمين الموحدين ما بين عالمٍ وعابد من أجل أنهم يترضون عن الصحابة رضوان الله عليهم .
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : ومن جملة ذلك ابتداء الدولة العبيدية وناهيك بهم إفساداً وكفراً وقتلاً للعلماء والصلحاء . وقال الشاطبي المالكي في كتاب الاعتصام : العبيدية الذين ملكوا مصر وأفريقية زعمت أن الأحكام الشرعية إنما هي خاصة بالعوام وأن الخواص منهم قد ترقوا عن تلك المرتبة ، فالنساء بإطلاق حلالٌ لهم ، كما أن جميع ما في الكون من رطبٍ ويابس حلالٌ لهم أيضاً مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل .
رابعاً : موقف العلماء من تلك الحقبة:
كان العلماء يظهرون الشناعة على العبيديين وعلى أفعالهم المشينة . وقد تقدم ذكر عدد منهم . وقال السويطي في تاريخه : ولم أورد أحداً من الخلفاء العبيديين لأن خلافتهم غير صحيحة ، وذكر أن جدهم مجوسي وإنما سماهم بالفاطميين جهلة العوام .
خامساً: إن مما يتبين لكل أحد بعد الاطلاع على أقوال العلماء والمؤرخين أن هذه الدولة الفاطمية كان لها من الضرر والإضرار بالمسلمين ما يكفي في دفع كل من يرفع لواءها ويدعو بدعوتها:
لذلك نجد أن المسلمين في الماضي فرحوا بزوالها على يد الملك الصالح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في عام خمسمائة وسبع وستين . فلا يجوز بعد هذا كله أن ندعو الناس إلى الانتساب إلى تلك الدولة العبيديّة الضالة . ومثل هذه الدعوة غشٌّ وخيانة للإسلام وأهله . ونصيحتنا لأهل المسلمين وعامتهم بالاعتصام بالكتاب والسنة وجمع القلوب عليهما . وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
عباد الله!
لقد كان هؤلاء الباطنية في تاريخ الإسلام عيباً وشناراً وعاراً على أهل الإسلام . لقد كانوا نصراء لكل ملحدٍ ويهودي ونصراني صليبي ممن غزوا بلاد الإسلام أو طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد . وقد بدأ هؤلاء العبيديون الذين تسموا بالفاطميين زوراً دعوتهم في بلاد المغرب ، و اعتنق ذلك كثيرٌ من البربر ، حتى إن كثيراً من وزراء الأغالبة في شمال أفريقية كانوا على مذهبهم ، فقد تسللوا إلى دولة الأغالبة ، وكان من أبرز دعاتهم رجلٌ من بلاد اليمن في الأصل له من ضروب الحيل ما لا يحصى ، بدأ بنشر دعوتهم في بلاد المغرب ، ثم بسط نفوذهم في بلاد أفريقية , فوقعت في يده بلاد عديدة . وأعلن الفاطميون قيام دولتهم سنة مائتين وست وتسعين للهجرة إثر تغلبهم على الأغالبة في موقعة الأربذ . ثم اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثرواتها وقربها من بلاد المشرق وأرادوا إقامة دولةٍ مستقلةٍ تنافس الخلافة السنّية العباسية في بغداد ، فوجهوا أكثر من حملة للاستيلاء على مصر . وفي سنة ثلاثمائة وثمان وخمسين عاد الخليفة العبيدي إلى جوهر الصقلّي كتاباً بالأمان وفيه أن يظل المصريون على مذهبهم ولا يلزموا بالتحول للمذهب الباطني ، وأن يجري الأذان والصلاة وصيام رمضان وفطر رمضان والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله ورسوله . ولم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلا مجرد مهادنة ، وعندما وصل المعز الفاطمي إلى القاهرة سنة ثلاثمائة واثنين وستين ركز اهتمامه على تحويل أهلها إلى المذهب الباطني . واتبع الباطنيون العبدييون في ذلك طرقاً منها : إسناد المناصب العليا وخاصة القضاء لأهل مذهبهم ، واتخاذ المساجد الكبيرة مراكزاً للدعاية لهم كالأزهر وجامع عمرو ومسجد أحمد بن طولون وأمعنوا في إظهار شعائرهم المخالفة لأهل السنة في الأذان والاحتفال بالعاشر من محرم وهم أول من ابتدع عيد المولد النبوي ، وقد صنف العلماء في بيان حقيقتهم كما تقدم وصنف الباقلاني كتابه "كشف الأسرار وهتك الأستار" في بيان فضائحهم . فما هي إنجازات هؤلاء العبيديين الذين تسموا بالفاطميين؟
لما غزى الصليبيون بلاد الشام وكان فيها أصلاً من أهل ملتهم من فيها من أهل الصليب ، وكذلك الحشيشية ، وتغلّب الفرنج على سواحل الشام حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وطبرية وبانياس وصور وعكة وصيدة وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية وجميع ما وراء ذلك إلى ما وراء ذلك من البلاد حتى آمد والرهى ورأس العين ، وقتلوا من المسلمين خلقاً وأمماً لا يحصيهم إلا الله ، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان ؛ في هذه البلاد التي فتحها الصحابة من الذين كانوا يمدهم ؟ من الذين كانوا يمدونهم ويعينونهم ؟ إنهم الباطنية الخبثاء . ولمّا قبض الحاكم بأمره زمام الأمور عمد إلى إصدار كثير من الأوامر والقوانين المبنية على مذهب الباطنية ومن ذلك نقش سب الصحابة في جدران المساجد والأسواق والشوارع والدروب ، وصدرت الأوامر إلى العمال بمراعاة ذلك . وكذلك فعلوا لما ظهروا بتونس وأظهروا الباطنية القبيحة وسب الصحابة . وكان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد ، يعني في زمن هذه الدولة الفاطمية في حالٍ شديدةٍ من الهضم والتستر والاستضعاف كأنهم أهل ذمة ، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم ونصبوا حسين بن الأعمى السباب في الأسواق للسب بأسجاعٍ لُقنها ومنها : العنوا الغار وما وعى ، والكساء وما حوى . ولا شك أن الغار كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ . وعُلِّقت رؤوس الأكباش والحمير في أبواب الحوانيت وعليها قراطيس معلقة مكتوب عليها أسماء الصحابة . واشتدَّ الأمر على أهل السنة جداً .
ثم غلا بعض دعاتهم في عبيد الله المهدي حتى أنزله منزلة الإله وأنه يعلم الغيب وأنه نبيٌ مرسل . وهكذا قام من هؤلاء العبيديين من ادعى الألوهية . وقال ابن كثير رحمه الله في سنة 411 مات الحاكم ابن المعز الفاطمي صاحب مصر . فاستبشر المؤمنون والمسلمون بذلك لأنه كان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً ، كثير التلون في أفعاله وأحكامه ، وكان يدعي الألوهية كما ادعاها فرعون . فأمر الرعية إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أن يقوم الناس أثناء الخطبة على أقدامهم صبوباً إعظاماً لذكره واحتراماً له ، وبلغ شرّه الحرمين الشريفين وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا على ذكره خروا سجداً له ، حتى إنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم . وكذلك أمر في وقتٍ لأهل الكتابين بالدخول في الإسلام ثم أذن لهم بالعودة إلى دينهم ، وابتنى مدارس لليهود وازداد ظلمه حتى عنَّ له أن يدعي الربوبية وأمر الناس أن يقولوا إذا رأوه : يا واحد يا أحد ، يا محيي يا مميت .
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان : وكان ابن سينا –الذي يجهل كثير من المسلمين أن ابن سينا من الملاحدة الباطنية– يقول ابن سينا كما أخبر عن نفسه : أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم . فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يمؤنون بمبدأٍ ولا معاد ولا بربٍ خالق ولا رسولٍ مبعوث جاء من عند الله . وهؤلاء زنادقة يتسترون بالرفض ويبطنون الإلحاد المحض وينتسبون إلى آل البيت زوراً وعدواناً . قال ابن كثير في اعتدائهم على الحجر الأسود في حوادث سنة 413: جرت كائنةٌ غريبةٌ عظيمة ومصيبةٌ كبيرة . فقد جاؤوا مع الحجيج من مصر فلما طافوا وكان اليوم النفر الأول انتهى أحدهم إلى الحجر الأسود وقد أخفى آلةً في يده ، فضرب الحجر بدبوسٍ عظيمٍ كان معه -وهذه حديدةٌ كبيرةٌ- ثلاث ضربات متوالية . و قال : إلى متى نعبد هذا الحجر ، ولا أحد يمنعني فإني أهدم البيت اليوم . حتى استطاع الحجاج على التغلب عليه وسقط من الحجر ثلاث فلقٍ مثل الأظفار . وبدا ما تحتها أسمر . يقول ابن كثير : يضرب إلى صفرة محبباً مثل الخشخاش . فأخذ بنو شيبة تلك الفلق فعجنوها بالمسك وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت فاستمسك الحجر واستمر على ما هو عليه الآن وهو ظاهرٌ لمن تأمله . يعني أثر هذه الخدوش فيه . من البداية والنهاية .
وكذلك لما قامت الفرنجة الصليبية بغزو ديار الإسلام كانوا قد اتّفقوا معهم ودعوهم إلى مصر . وفعلاً جاء الفرنجة وحاصروا دمياط في سنة 565 وضيّقوا على أهلها وقتلوا أمماً كثيرة وجاؤوا من البر والبحر . وكان من فضل الله أن ردّ كيد الفرنجة والعبيديين الذين كاتبوهم ففشلت تلك الحملة . ومن خياناتهم أنه لما أقبلت جحافل الفرنج إلى الديار المصرية وبلغ ذلك أسد الدين شيراكوه فاستأذن الملك نور الدين محمود من أهل السنّة في الذهاب إليها للتصدي لهم، فلما بلغه أنهم قد اجتمعوا واستشار من معه خافوا وهموا بالرجوع إلا واحداً من المسلمين في جيش أسد الدين شيركوه . قال : أما من خاف القتل والأسر فليقعد في بيته وأسرته ، وأما من أكل أموال الناس فلا يسلم بلادهم على العدو . وقال مثل ذلك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله . فعزموا فعزم الله لهم فساروا نحو الفرنج فاقتتلوا اقتتالاً عظيماً فانتصر المسلمون والحمد لله .
وكان العبيديون أصحاب تسلطٍ وجورٍ . وقد سجنوا من المسلمين من سجنوا . وحرموا الإفتاء بمذهب مالكٍ رحمه الله . ومن يتجرأ على ذلك يُضرب ويسجن ويُقتل أحياناً . وأجبروا الناس على الفطر قبل رؤية الهلال . ومن القصص التي حدثت قصة الإمام الشهيد قاضي مدينة برقة محمد بن الحبلة أتاه أمير برقة من جهة العبيديين فقال : غداً العيد . قال القاضي : نرى الهلال ولا أفطر الناس وأتقلّد إثمهم . قال : بهذا جاء كتاب الخليفة -يعني العبيدي- وكان ممن يفطر بالحساب ولا يعتبر الرؤية . فقلم يُر هلال ثاني يوم . لم ير الهلال . فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد فقال القاضي : لا أخرج ولا أصلي . فأمر الأمير رجلاً خطب وكتب إلى العبيدي بما حصل فطلب القاضي إليه . وقال : تنصّل وأعفو عنك فامتنع . فعُلِّق في الشمس إلى أن مات . وكان يستغيث من العطش فلا يسقى وصلبوه على خشبة ، فلعنة الله على الظالمين . فهذا بعض من جرائمهم . نسأل الله أن يرد كيد الحاقدين على أهل الإسلام . ونسأله سبحانه أن يعلي السنة وأهلها وأن ينصر الموحدين وأن يعز الدين إنه قويٌ متين . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الشيخ محمد صالح المنجد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد,,,
فإن الله تعالى قضى بالابتلاء ، وابتلاء هذه الأمة بأمور متعددة تمحيصاً واختباراً وتمييزاً لأهل الجنة عن أهل النار . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض هذه الابتلاءات ومن ذلك التغيّر الكبير الذي سيطرأ عليها بعد وفاة نبيها ، وأخبرهم أنه من يعيش منهم من بعده فسيرى اختلافاً كثيرا . وكذلك أخبر بالتفرق الذي سيحصل في الأمة ، قال : وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة . وأخبر أنها جميعاً في النار إلا واحدة وهي التي تتبع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . حذّرنا من محدثات الأمور في مواجهة هذا الابتلاء وقال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي . أوصانا أن نعضّ عليها بالنواجذ وأخبرنا بأن كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار . وبيّن الله لنا سبيل الحق في كتابه . وقال : {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} ومن هؤلاء أهل البدع . من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب .
فقيّض الله لهذه الأمة من يكشف الحق ويبينه للناس . {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}(آل عمران: من الآية187) . وكان من الفرق الخطيرة جداً إن لم تكن هي أخطر الفرق على الإطلاق التي ابتليت بها هذه الأمة ولا تزال ترزح تحت الابتلاء بها فرقة الباطنية بشتّى أنواعها . سُمّوا بذلك لأنهم يظهرون بشيءٍ ويبطنون آخر ، ويزعمون أن لنصوص من الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً . دينهم مختلفٌ عن دين الإسلام بل هو متناقضات ، فهي طائفةٌ مخذولة وفئة مرذولة ومأوى لكل من أراد هدم الإسلام ، وكانوا أعوان اليهود والنصارى والمشركين والذين جاؤوا لغزو المسملين ، وكذلك فإنهم في عددٍ من بلدان العالم الإسلامي قد أقاموا لهم كياناتٍ في القديم والحديث . وينادي بعض الضلال في هذا الزمن بإعادة مجد العبيديين والدولة الفاطمية.
وقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء بياناً حول هذا الموضوع يتعلق بهذه الدولة العبيدية الفاطمية وما تتصل به من المذهب الباطني الخبيث ، قالت اللجنة في بيانها : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد . فإن الله عز وجل قد أمر باجتماع هذه الأمة ونهى عن التنازع قال تعالى : {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(لأنفال: من الآية46) ولن يحصل اجتماع الأمة إلا بالتمسك بالكتاب والسنة . ولهذا أمر الله بالاعتصام بحبل الله المتين . قال تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}(آل عمران: من الآية103) وأمتنا الإسلامية وهي تواجه ما يحفّ بها من مخاطر متنوعة في أمس الحاجة إلى التمسّك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم متوخيةً في ذلك نهج صحبه الكرام رضي الله عنهم . ولقد وجّهنا الله سبحانه وتعالى إلى هذا المنهج القويم في كتابه الكريم حيث قال سبحانه : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(الأنعام: من الآية153) فاجتماع الأمة ووحدتها وعزها في التزام ذلك الصراط المستقيم الذي سلكه نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال : تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي . وحيث إن النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم من الواجبات الشرعية ، وكان من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم كتابة بيانٍ حول ما تنوقل من دعوى المتكلّم أن الدولة المسماة بالدولة الفاطمية هي دولة الإسلام التي يكمن فيها الحل المناسب في الحاضر كما كان حلاً في الماضي ، وهذا من التلبيس ومن الدعاوى الباطلة وذلك لعدة أمورٍ منها:
أولاً: أن تسمية تلك الدولة بالفاطمية تسميةٌ كاذبة:
أراد بها أصحابها خداع المسلمين بالتسمي باسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد بين العلماء والمؤرخون في ذلك الزمان كذب تلك الدعوة وأن مؤسسها أصله مجوسي يدعى سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح ابن ديصان الدنوي الأهوادي ، وسعيدٌ هذا تسمى بعبيد الله عندما أراد إظهار دعوته ونشرها ولقب نفسه بالمهدي . فالنسبة الصحيحة لدولته أن يقال: العبيدية . كما ذكر ذلك جملةٌ من العلماء المحققين ، ويظهر من نسب مؤسسها الذي ذكر آنفاً أن انتسابهم إلى آل البيت كذب وزور ، وإنما أظهروا ذلك الانتساب لاستمالة قلوب الناس إليهم .
قال العلاّمة ابن خلكان في وفيات الأعيان: والجمهور على عدم صحة نسبهم وأنهم كذبة أدعياء لا حظ لهم في النسبة المحمدية أصلاً . وقال الذهبي في العبر في خبر من غبر: المهدي عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى أنه من ولد جعفر الصادق . وقد ذكر غيرهما من المؤرخين أنه في ربيع الآخر من عام أربعمائة واثنين للهجرة كتب جماعةٌ من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والمحدثين وشهدوا جميعاً بأن الحاكم بمصر وهو منصور الذي يرجع نسبه إلى سعيد مؤسس الدولة العبيدية لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ، وأن الذي ادعوه إليه باطلٌ وزور ، وأنهم لا يعلمون أحداً من بيوتات علي بن أبي طالب رضي الله عنه توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبة وأن هذا –أي الحاكم بأمره الذي يزعم أنه فاطميٌ- هو وسلفه كفّارٌ فسّاقٌ فجارٌ ملحدون وزنادقة معطلون للإسلام جاحدون ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون . قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمرة وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية وكُتب هذا سنة اثنتين وأربعمائة . وقد ذكر ابن كثيرٍ رحمه الله في كتاب البداية والنهاية بعد أن نقل هذا : وقد كتب خطه في المحضر خلقٌ كثير .
ثانياً: أنهم يظهرون مناصرة لآل البيت:
وهذه الدعوة أظهروها حيلةً نزعوا إليها استغلالاً لعواطف المسلمين لعلمهم بمحبة أهل الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته . وقال النويري : وحكى الشريف وأبو الحسين محمد بن علي المعروف بأخي محسن في كتابه أن عبد الله بن ميمون كان قد سكن بسباط أبي نوح وكان يتستّر بالعلم ، فلما ظهر أمره وما كان يضمره ويستره من التعطيل والإباحة والمكر والخديعة ثار عليه الناس .
ثالثاً: أن حال تلك الدولة العبيدية الفاطمية أنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض:
قال الباقلاني رحمه الله عن القداح جد عبيد الله : وكان باطنياً خبيثاً حريصاً على إزالة ملة الإسلام ، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق ، وجاء أولاده على أسلوبه : أباحوا الخمور والفروج وأفسدوا عقائد الخلق . وقال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص الذي قتله عبيد الله : وبنوه بعده أربعة آلاف رجل في دار النحر في العذاب ما بين عالمٍ وعابد ليردّهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت . يعني أن هؤلاء العبيديين قد نحروا أربعة آلافٍ من المسلمين الموحدين ما بين عالمٍ وعابد من أجل أنهم يترضون عن الصحابة رضوان الله عليهم .
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : ومن جملة ذلك ابتداء الدولة العبيدية وناهيك بهم إفساداً وكفراً وقتلاً للعلماء والصلحاء . وقال الشاطبي المالكي في كتاب الاعتصام : العبيدية الذين ملكوا مصر وأفريقية زعمت أن الأحكام الشرعية إنما هي خاصة بالعوام وأن الخواص منهم قد ترقوا عن تلك المرتبة ، فالنساء بإطلاق حلالٌ لهم ، كما أن جميع ما في الكون من رطبٍ ويابس حلالٌ لهم أيضاً مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل .
رابعاً : موقف العلماء من تلك الحقبة:
كان العلماء يظهرون الشناعة على العبيديين وعلى أفعالهم المشينة . وقد تقدم ذكر عدد منهم . وقال السويطي في تاريخه : ولم أورد أحداً من الخلفاء العبيديين لأن خلافتهم غير صحيحة ، وذكر أن جدهم مجوسي وإنما سماهم بالفاطميين جهلة العوام .
خامساً: إن مما يتبين لكل أحد بعد الاطلاع على أقوال العلماء والمؤرخين أن هذه الدولة الفاطمية كان لها من الضرر والإضرار بالمسلمين ما يكفي في دفع كل من يرفع لواءها ويدعو بدعوتها:
لذلك نجد أن المسلمين في الماضي فرحوا بزوالها على يد الملك الصالح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في عام خمسمائة وسبع وستين . فلا يجوز بعد هذا كله أن ندعو الناس إلى الانتساب إلى تلك الدولة العبيديّة الضالة . ومثل هذه الدعوة غشٌّ وخيانة للإسلام وأهله . ونصيحتنا لأهل المسلمين وعامتهم بالاعتصام بالكتاب والسنة وجمع القلوب عليهما . وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
عباد الله!
لقد كان هؤلاء الباطنية في تاريخ الإسلام عيباً وشناراً وعاراً على أهل الإسلام . لقد كانوا نصراء لكل ملحدٍ ويهودي ونصراني صليبي ممن غزوا بلاد الإسلام أو طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد . وقد بدأ هؤلاء العبيديون الذين تسموا بالفاطميين زوراً دعوتهم في بلاد المغرب ، و اعتنق ذلك كثيرٌ من البربر ، حتى إن كثيراً من وزراء الأغالبة في شمال أفريقية كانوا على مذهبهم ، فقد تسللوا إلى دولة الأغالبة ، وكان من أبرز دعاتهم رجلٌ من بلاد اليمن في الأصل له من ضروب الحيل ما لا يحصى ، بدأ بنشر دعوتهم في بلاد المغرب ، ثم بسط نفوذهم في بلاد أفريقية , فوقعت في يده بلاد عديدة . وأعلن الفاطميون قيام دولتهم سنة مائتين وست وتسعين للهجرة إثر تغلبهم على الأغالبة في موقعة الأربذ . ثم اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثرواتها وقربها من بلاد المشرق وأرادوا إقامة دولةٍ مستقلةٍ تنافس الخلافة السنّية العباسية في بغداد ، فوجهوا أكثر من حملة للاستيلاء على مصر . وفي سنة ثلاثمائة وثمان وخمسين عاد الخليفة العبيدي إلى جوهر الصقلّي كتاباً بالأمان وفيه أن يظل المصريون على مذهبهم ولا يلزموا بالتحول للمذهب الباطني ، وأن يجري الأذان والصلاة وصيام رمضان وفطر رمضان والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله ورسوله . ولم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلا مجرد مهادنة ، وعندما وصل المعز الفاطمي إلى القاهرة سنة ثلاثمائة واثنين وستين ركز اهتمامه على تحويل أهلها إلى المذهب الباطني . واتبع الباطنيون العبدييون في ذلك طرقاً منها : إسناد المناصب العليا وخاصة القضاء لأهل مذهبهم ، واتخاذ المساجد الكبيرة مراكزاً للدعاية لهم كالأزهر وجامع عمرو ومسجد أحمد بن طولون وأمعنوا في إظهار شعائرهم المخالفة لأهل السنة في الأذان والاحتفال بالعاشر من محرم وهم أول من ابتدع عيد المولد النبوي ، وقد صنف العلماء في بيان حقيقتهم كما تقدم وصنف الباقلاني كتابه "كشف الأسرار وهتك الأستار" في بيان فضائحهم . فما هي إنجازات هؤلاء العبيديين الذين تسموا بالفاطميين؟
لما غزى الصليبيون بلاد الشام وكان فيها أصلاً من أهل ملتهم من فيها من أهل الصليب ، وكذلك الحشيشية ، وتغلّب الفرنج على سواحل الشام حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وطبرية وبانياس وصور وعكة وصيدة وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية وجميع ما وراء ذلك إلى ما وراء ذلك من البلاد حتى آمد والرهى ورأس العين ، وقتلوا من المسلمين خلقاً وأمماً لا يحصيهم إلا الله ، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان ؛ في هذه البلاد التي فتحها الصحابة من الذين كانوا يمدهم ؟ من الذين كانوا يمدونهم ويعينونهم ؟ إنهم الباطنية الخبثاء . ولمّا قبض الحاكم بأمره زمام الأمور عمد إلى إصدار كثير من الأوامر والقوانين المبنية على مذهب الباطنية ومن ذلك نقش سب الصحابة في جدران المساجد والأسواق والشوارع والدروب ، وصدرت الأوامر إلى العمال بمراعاة ذلك . وكذلك فعلوا لما ظهروا بتونس وأظهروا الباطنية القبيحة وسب الصحابة . وكان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد ، يعني في زمن هذه الدولة الفاطمية في حالٍ شديدةٍ من الهضم والتستر والاستضعاف كأنهم أهل ذمة ، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم ونصبوا حسين بن الأعمى السباب في الأسواق للسب بأسجاعٍ لُقنها ومنها : العنوا الغار وما وعى ، والكساء وما حوى . ولا شك أن الغار كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ . وعُلِّقت رؤوس الأكباش والحمير في أبواب الحوانيت وعليها قراطيس معلقة مكتوب عليها أسماء الصحابة . واشتدَّ الأمر على أهل السنة جداً .
ثم غلا بعض دعاتهم في عبيد الله المهدي حتى أنزله منزلة الإله وأنه يعلم الغيب وأنه نبيٌ مرسل . وهكذا قام من هؤلاء العبيديين من ادعى الألوهية . وقال ابن كثير رحمه الله في سنة 411 مات الحاكم ابن المعز الفاطمي صاحب مصر . فاستبشر المؤمنون والمسلمون بذلك لأنه كان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً ، كثير التلون في أفعاله وأحكامه ، وكان يدعي الألوهية كما ادعاها فرعون . فأمر الرعية إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أن يقوم الناس أثناء الخطبة على أقدامهم صبوباً إعظاماً لذكره واحتراماً له ، وبلغ شرّه الحرمين الشريفين وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا على ذكره خروا سجداً له ، حتى إنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم . وكذلك أمر في وقتٍ لأهل الكتابين بالدخول في الإسلام ثم أذن لهم بالعودة إلى دينهم ، وابتنى مدارس لليهود وازداد ظلمه حتى عنَّ له أن يدعي الربوبية وأمر الناس أن يقولوا إذا رأوه : يا واحد يا أحد ، يا محيي يا مميت .
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان : وكان ابن سينا –الذي يجهل كثير من المسلمين أن ابن سينا من الملاحدة الباطنية– يقول ابن سينا كما أخبر عن نفسه : أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم . فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يمؤنون بمبدأٍ ولا معاد ولا بربٍ خالق ولا رسولٍ مبعوث جاء من عند الله . وهؤلاء زنادقة يتسترون بالرفض ويبطنون الإلحاد المحض وينتسبون إلى آل البيت زوراً وعدواناً . قال ابن كثير في اعتدائهم على الحجر الأسود في حوادث سنة 413: جرت كائنةٌ غريبةٌ عظيمة ومصيبةٌ كبيرة . فقد جاؤوا مع الحجيج من مصر فلما طافوا وكان اليوم النفر الأول انتهى أحدهم إلى الحجر الأسود وقد أخفى آلةً في يده ، فضرب الحجر بدبوسٍ عظيمٍ كان معه -وهذه حديدةٌ كبيرةٌ- ثلاث ضربات متوالية . و قال : إلى متى نعبد هذا الحجر ، ولا أحد يمنعني فإني أهدم البيت اليوم . حتى استطاع الحجاج على التغلب عليه وسقط من الحجر ثلاث فلقٍ مثل الأظفار . وبدا ما تحتها أسمر . يقول ابن كثير : يضرب إلى صفرة محبباً مثل الخشخاش . فأخذ بنو شيبة تلك الفلق فعجنوها بالمسك وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت فاستمسك الحجر واستمر على ما هو عليه الآن وهو ظاهرٌ لمن تأمله . يعني أثر هذه الخدوش فيه . من البداية والنهاية .
وكذلك لما قامت الفرنجة الصليبية بغزو ديار الإسلام كانوا قد اتّفقوا معهم ودعوهم إلى مصر . وفعلاً جاء الفرنجة وحاصروا دمياط في سنة 565 وضيّقوا على أهلها وقتلوا أمماً كثيرة وجاؤوا من البر والبحر . وكان من فضل الله أن ردّ كيد الفرنجة والعبيديين الذين كاتبوهم ففشلت تلك الحملة . ومن خياناتهم أنه لما أقبلت جحافل الفرنج إلى الديار المصرية وبلغ ذلك أسد الدين شيراكوه فاستأذن الملك نور الدين محمود من أهل السنّة في الذهاب إليها للتصدي لهم، فلما بلغه أنهم قد اجتمعوا واستشار من معه خافوا وهموا بالرجوع إلا واحداً من المسلمين في جيش أسد الدين شيركوه . قال : أما من خاف القتل والأسر فليقعد في بيته وأسرته ، وأما من أكل أموال الناس فلا يسلم بلادهم على العدو . وقال مثل ذلك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله . فعزموا فعزم الله لهم فساروا نحو الفرنج فاقتتلوا اقتتالاً عظيماً فانتصر المسلمون والحمد لله .
وكان العبيديون أصحاب تسلطٍ وجورٍ . وقد سجنوا من المسلمين من سجنوا . وحرموا الإفتاء بمذهب مالكٍ رحمه الله . ومن يتجرأ على ذلك يُضرب ويسجن ويُقتل أحياناً . وأجبروا الناس على الفطر قبل رؤية الهلال . ومن القصص التي حدثت قصة الإمام الشهيد قاضي مدينة برقة محمد بن الحبلة أتاه أمير برقة من جهة العبيديين فقال : غداً العيد . قال القاضي : نرى الهلال ولا أفطر الناس وأتقلّد إثمهم . قال : بهذا جاء كتاب الخليفة -يعني العبيدي- وكان ممن يفطر بالحساب ولا يعتبر الرؤية . فقلم يُر هلال ثاني يوم . لم ير الهلال . فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد فقال القاضي : لا أخرج ولا أصلي . فأمر الأمير رجلاً خطب وكتب إلى العبيدي بما حصل فطلب القاضي إليه . وقال : تنصّل وأعفو عنك فامتنع . فعُلِّق في الشمس إلى أن مات . وكان يستغيث من العطش فلا يسقى وصلبوه على خشبة ، فلعنة الله على الظالمين . فهذا بعض من جرائمهم . نسأل الله أن يرد كيد الحاقدين على أهل الإسلام . ونسأله سبحانه أن يعلي السنة وأهلها وأن ينصر الموحدين وأن يعز الدين إنه قويٌ متين . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخميس فبراير 27, 2014 2:48 am من طرف آكسل
» اوضح لنا معتقدك يا رافضي - يا شيعي
الخميس فبراير 27, 2014 2:09 am من طرف آكسل
» هذا بعض ما قاله سيدنا علي في حق الصحابه يا شيعه
الخميس فبراير 27, 2014 2:05 am من طرف آكسل
» حوار عقلاني مع جاري ؟
الأربعاء فبراير 26, 2014 7:57 pm من طرف fergani
» التوحيد 000
الثلاثاء سبتمبر 03, 2013 12:23 pm من طرف أبن العرب
» حتى لا تكون فتنة : وجود الشيعة في المغرب العربي
الإثنين يناير 21, 2013 10:18 pm من طرف أبن العرب
» الإمام مالك رحمه الله وموقفه من الرافضة
الخميس نوفمبر 08, 2012 7:46 pm من طرف عثمان الخميس
» علي بن أبي طالب هو الذي هدى كل الأنبياء وهو الذي نجى نوح وصاحب ابراهيم _وثيقة_
الخميس نوفمبر 08, 2012 7:33 pm من طرف عثمان الخميس
» علماء الراقظة يفترون الكذب على الله عز وجل : من عصى الله وأطاع علي يدخل الجنة ومن أطاع الله وعصى علي يدخل النار ؟؟؟ وثيقة
الخميس نوفمبر 08, 2012 7:18 pm من طرف عثمان الخميس
» الشناوي وحفيد مبغض آل البيت... مامعنى ولي مولى و ولاية ؟؟
الجمعة نوفمبر 02, 2012 5:14 pm من طرف عثمان الخميس