رصدًا لحركة الفكرية المسوقة للتشيع والتي تحاول تلميع صورته وتوسيع امتداده ومتابعة لما ينشر من تغليط للرأي العام وتزوير للتاريخ بقراءة غائية انتقائية ذات طبيعة أيديولوجية وهذا ما يعكسه المقال المنشور أحد المواقع الشيعية للكاتب الشيعي المغربي الأصل إدريس هاني(1) بعنوان: "الفاطميون نشأة مباركة وتاريخ مفترى عليه"، وقد سبقه آخر من ليبيا حول دعم فكرة إعادة إحيائها.
وذهب الكاتب إلى أبعد الحدود في تمجيد الدولة الفاطمية وإنجازاتها. واصفًا إياها بنشر التسامح الديني بين المذاهب، والكف عن الدعوة للتشيع. متهمًا الكثير من المؤرخين بالانحياز ضدها والوقوف بجانب أهل السنة بانتقائية. واستند في الكثير مما ذهب إليه إلى مراجع يقول إنها معتدلة وقد أنصفت الفاطميين وأظهرت مساهماتهم وانجازاتهم الحضارية. ورغم أنه لم يبين كيف كانت منصفة وكيف كانت الدولة الفاطمية عادلة ومتسامحة وحضارية ولم يبين كيف توصل إلى تلك النتيجة.
دفاع الكاتب عن الشيعة وآراؤه حولها معروفة كما هي معروفة تحاملاته على أهل السنة من فقهاء ومؤرخين، ورغم أنه أبدى امتعاضا -في عدة مقالات وحوارات- من سياسة الإقصاء والانتقاء وعدم الأخذ بالرأي المخالف. إلا أنه عمد في هذا المقال إلى ممارسة نفس النهج باختياره مصادر ومراجع تمجد وتمدح الفاطميين وبعضها شيعية الاتجاه أو تعمل على تلطيف صورته هذا من جهة.
وفيما يخص المصادر والمراجع التي يستعين بها الكاتب لتزيين المقال اعتماده كما يقول هو نفسه في معرض رده على الجابري حول العقل الشيعي في مشروعه بنية العقل العربي "الملاحظة، نعود للقول، إننا نعثر على مصادر هزيلة جدًّا، من الصعوبة بمكان تقبلها بوصفها آثارًا مرجعية كافية، لتشكيل رؤية متكاملة عن التشيع. نجد اعتمادًا بسيطًا على ما لا يتجاوز ثلاثة مصادر أو أربعة."(2) وفي نفس الوقت يعيب عليه- أي على الجابري- كثافة المادة المتعلقة بالمذهب السني. إلا أن ما وقع فيه إدريس هاني هو اعتماده مراجع هزيلة تكرس رؤية واحدة وجانبية ولا يمكن وصفها بأنها مرجعية -حول تاريخ الشيعة- شافية لإقناع القارئ أو تقديم صورة دقيقة للدولة الفاطمية وما وصفها به أو ليرد عنها كيد الخصوم ومن أمثلة ذلك كتب العقاد والمثير للسخرية أن العقاد يقول في معرض رده عمن أبطلوا نسب عبيد الله المهدي بأنهم ليسوا مرجعية في الأنساب حيث لا ندري متى صار هو مرجعًا في الأنساب لكي يثبت نسبهم ويدافع عنهم. هذا من جهة ثانية.
ولعل أبرز القضايا التي يمكن الرد عليها تتلخص فيما يلي:
أولاً: النظرة الانتقائية والقراءة الغائية لمصادر التاريخ حيث لم يعمد إلى كتاب سني واحد ومعروف -على الأقل للموازنة وعرض مواقف الطرفين وهو من الداعين في مقالاته للانفتاح على الآخر ويظل يشتكي من الإقصاء- وفي مجال التاريخ ليقدم على الأقل الأسباب والمغالطات والقذف الذي حصل في حق الفاطميين ويرد عليها مكتفيًا بالتعليق والتحامل."...إلا ما نقل عن ابن خلدون "كان الحجاج المغاربة لا سيما الكتاميين على تواصل مع الدعوات الشيعية. لذا يصفهم ابن خلدون بقوله: "وإلى الشيعة الرافضة من كتامة"..."ورغم أن نص ابن خلدون حول كتامة طويل وعريض فلم يختر كاتب المقال إلا خمس كلمات متراصة تخدم قناعاته في غائية واضحة وبطريقة انتقائية؛ حيث يعبر عنها هو نفسه في مقال آخر "مجرد استثمار، يتخذ منحى تغليب جزء من التراث على آخر في مغامرة صعبة!... الجابري، الذي ألف إخفاء الكثير من مصادره وبتر العديد من النصوص، التي من شأنها أن تكون شواهد ضد خطواته الانتقائية.... استثمارها في تشطير التراث واللعب على جميع أوراقه..(3).
ومارس هذا البتر والتفتيت للتاريخ في دفاعه عن أوجه التسامح في الدولة الشيعية حيث قال إن القائد المهدي طالب الدعاة بوقف الدعوة إلى التشيع .. وهي ما يسميه هو تشطير التراث واللعب على جميع أوراقه، فلم يذكر الملابسات والظروف التي دفعت المهدي لوقف الدعاة عن الدعوة؛ حيث إن المهدي اضطر لذلك تحت ضغط الشارع الذي انقلب عليه بعد قتله لأبي عبد الله الشيعي أو الداعي، حتى إنهم جلبوا طفلاً وسموه المهدي ودعوا له بديلاً عن المهدي الفعلي(4).
ثم إن هذه الأحداث وقعت قبل تأسيس الدولة الفاطمية في مصر. من جانب آخر وفيما يتعلق باستخدام المصادر وانتقائها باعتبار كتب المؤلفين السنة كانت مجحفة فقد مارس نفس الانتقائية حتى في كتب الشيعة وفي شهادة تحسب عليه عن القاضي النعمان والذي اختار له كتاب دعائم الإسلام -بدلاً من كتاب افتتاح الدعوة وهو الأقرب إلى تغطية وتأطير الفتوحات الشيعية من غيره كما يقول محققيه وكتاب الشيعة من مؤرخين ومفكرين- فيقول عنه في هذا المقال:
إننا نعتبر أهم مدونة فقهية للدولة الفاطمية هي ما كان من وضع القاضي النعمان المغربي الذي شغل في دولتهم منصب قاضي القضاة...
"ونعتقد أن التاريخ لو اكتفى بكتاب القاضي النعمان كمرجع أساس في كشف الفضائع لشفى وكفى.
الأمر الثاني: ويتعلق بالتسامح في الدولة الفاطمية والتعايش المذهبي حيث حاول التلميح إلى أن الناس اختاروا التشيع عن طواعية وإن كانت هناك أحداث -ليس بمقدوره تكذيبها- فإنها أحداث فردية (نيران صديقة حسب التعبير الأمريكي) يقول الكاتب:
"..على الرغم من حملة التشويه الكبرى لتاريخ الفاطميين التي اضطلع بها خصومهم -لا سيما فيما يتعلق بمظاهر القمع تجاه المخالف- نلاحظ ثمة الكثير من المفارقات في تلك الأحكام التاريخية. فتارة يصفونهم بأنهم لا دين لهم وأنهم ملاحدة، إنما غايتهم تدمير الدين وأنهم أصحاب انحلال ومجون وفسوق. وتارة يصفونهم بأنهم أهل تشدد في تفاصيل الاعتقاد. وهذا يكفي لبيان تطوّح الطريقة التي تعاطى بها المؤرخ مع هذا المفصل التاريخي الهام.
والحال أن مظاهر التسامح ظلت بادية في السياسة الدينية الفاطمية. لا بل لو تأملنا كل السياسات الدينية الشيعية مغربًا ومشرقًا سنجدها غاية في التسامح مع المخالف. ..كل الأخبار التي تحدثت عن مواقف صارمة تجاه المخالفين هي مواقف فردية يمكن أن نجد لها أمثلة كثيرة في كل مراحل وأشكال السلط على مر تاريخنا العربي والإسلامي.."(5).
ونحيل إلى كلام القاضي النعمان عن الشيعة الفاطمية وتاريخهم الأسود بشهادة قاضيهم الذي أقر له هاني بالفضل والسبق "واستوت أمور أبي عبد الله على عامة كتامة وظهرت دعاته في كل ناحية منها وغلب أمره عليها واستحكم فيها ولم يبق فيها إلا من دخل دعوته إما راغبًا وإما راهبًا أو مخذولاً قد أنكرها بقلبه.... بعد أن كانت لأبي عبد الله في قبائل كتامة وقائع كثيرة يطول ذكرها أقام بعد انهزام الجماعة نحوًا من سنتين يوقعها بهم وينقص من أطرافها ويقتلهم ويغنم أموالهم حتى أجابوه وأسلموا لأمره طائعين ومكرهين وراغبين وخائفين..."(6)، وهذا ليس تاريخًا للخصوم بل للشهود من نفس الطينة ومن مصدر رئيس عايش الأحداث بتفاصيلها.
وقال المالكي في طبقات علماء أفريقية: "إن الشيعة وضعت اسم المهدي على المساجد بدل أسماء مشيديها".
والمالكي ينقل أحداث القتل والتنكيل بالعلماء أمثال ابن البردون وابن هذيل، وطيف بهما مربوطين إلى بغل مسحوبين على وجههما في القيروان ثمّ صلبَا(7).
الحقيقة أن الشهادات والأمثلة كثيرة والتي تثبت الأوجه الشنيعة لتلك الدولة وأن الدولة الفاطمية على عكس ما يحاول الترويج لها بدأت بدايات فضيعة مع أبي عبد الله الشيعي وفي كتاب القاضي النعمان دقة وصف للنكال الذي كاله لقبائل كتامة، وشهد شاهد من أهلها ثم يذكر أعمالهم الشنيعة من أبطال الصلوات والزيادة في الأذان يقول ابن عذارى المراكشي -للعلم هو يستشهد به في بعض الوقائع المنتقاة فنستخدم وثائقه..
"لما رحل بنو عبيد إلى مصر لم تزل ملوك صنهاجة يخطبون لهم بإفريقية ويذكرون أسماءهم على المنابر وتمادى الأمر على ذلك حتى قطع أهل القيروان صلاة الجمعة فرارًا من دعوتهم وتبديعًا لإقامتها بأسمائهم. فكان بعضهم إذا بلغ إلى المسجد قال سرًّا اللهم اشهد اللهم اشهد ثم ينصرف يصلي ظهرًا أربعًا. إلى أن تناهى الحال حتى لم يحضر الجمعة من أهل القيروان أحد فتعطلت الجمعة دهرًا إلى أن رأى المعز بن باديس قطع دعوتهم فكان بالقيروان لذلك سرور عظيم.."(
، وهذا ما عجل بنهايتها السريعة.معاشو بووشمة -كاتب وباحث.
--------------------
(1) اخترنا هذا المقال للرد عليه باعتبار كاتبه معروف وله نشاط فكري معروف أيضًا ومرجعية فكرية في ردوده وكتاباته.
(2) "اللامعقول الشيعي" مقال للكاتب منشور على النت في عدة مواقع.
(3) انظر نفس المقال.
(4) القاضي النعمان افتتاح الدعوة ص143 وما بعدها.
(5) الفاطميون المقال المذكور المنشور حديثا.
(6) القاضي النعمان المرجع السابق .ص-143 وما بعدها.
(7) أبو بكر المالكي طبقات علماء إفريقية .ص-22.
" target="_blank" rel="nofollow">(
ابن عذارى المراكشي البيان المغرب .ص-400.منقول
» اوضح لنا معتقدك يا رافضي - يا شيعي
» هذا بعض ما قاله سيدنا علي في حق الصحابه يا شيعه
» حوار عقلاني مع جاري ؟
» التوحيد 000
» حتى لا تكون فتنة : وجود الشيعة في المغرب العربي
» الإمام مالك رحمه الله وموقفه من الرافضة
» علي بن أبي طالب هو الذي هدى كل الأنبياء وهو الذي نجى نوح وصاحب ابراهيم _وثيقة_
» علماء الراقظة يفترون الكذب على الله عز وجل : من عصى الله وأطاع علي يدخل الجنة ومن أطاع الله وعصى علي يدخل النار ؟؟؟ وثيقة
» الشناوي وحفيد مبغض آل البيت... مامعنى ولي مولى و ولاية ؟؟